الصين: نحو شراكات لتأمين مستقبل طاقتنا
شهدنا مؤخراً موجة جديدة من الاستثمارات الصناعية التي قدم معظمها من الصين على مدى السنوات الخمس الماضية.
وأتت الموجة نتيجة لمبادرة "حزام واحد طريق واحد"، وإنشاء "صندوق طريق الحرير" في عام 2014 لدعم المبادرة والمؤسسات المالية الصينية الأخرى.
وتمثّل هذه المبادرات التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، رؤية عظيمة للتبادل الثقافي والتكامل في الأسواق الدولية والمحلية، من خلال التعاون في تأسيس البنية التحتية اللازمة للنقل والسكك الحديدية والطاقة.
وظهرت أبرز نتائج تطور البنية التحتية للطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة تمتلك وفرة في الموارد من حيث الأراضي وموقعها ضمن البلدان الغنية بأشعة الشمس، حيث تشرق الشمس وسطياً بمعدل يزيد عن 350 يوماً كل عام. وبدأنا نشهد تحولات واضحة في سياسات الدول المستقبلية للطاقة.
وأصبحت الدول اليوم أكثر اهتماماً بإنشاء بنية تحتية حديثة ورائدة مع الزيادة المطردة في عدد السكان والحاجة إلى مصادر طاقة متجددة منخفضة الكربون ومستدامة بالإضافة إلى توفّر الفضاء المادي المناسب من حيث الموقع الجغرافي.
وتحشد دول المنطقة الجهود الكبيرة للابتعاد قدر الإمكان عن الإنتاج التقليدي للوقود الأحفوري بسبب تأثيرات تغيّر المناخ العالمي التي تسبب قلقاً كبيراً وتتطلب إعادة التفكير في طرق إنتاج الطاقة في المستقبل.
جاءت خبرة الصين في المجال عاملاً هاماً في الوقت المناسب كونها مركزاً رائداً لصناعة معدات الطاقة المتجددة التي يمكن نقلها بسهولة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلاً عن استثماراتها الضخمة في الشرق الأوسط وما حوله.
وقد شهد الشرق الأوسط كل عام ارتفاع مستويات تلوث الهواء مقارنة بما هو متعارف عليه دولياً. ومع نمو السكان المتزايد، تصبح الحاجة إلى الكهرباء وتشغيل محطات تحلية المياه لتلبية الطلب على مياه الشرب أمراً جوهرياً في تأمين مستقبل مستدام لسكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولا بدّ أن نتذكر أن دول الشرق الأوسط لا تمتلك جميعها موارد الوقود الأحفوري الوفيرة أو مصادر مياه الشرب الكافية، مما يجعل تطوير محطات الطاقة المتجددة القائمة على الطاقة الشمسية استجابة مثالية لزيادة الطلب على الكهرباء والمياه في هذه المناطق. كما هو الحال في محاولات الدول التي تقع في المناطق الغنية بالموارد مثل المملكة العربية السعودية وتضع خططاً استراتيجية للتحوّل من النفط إلى الطاقة الشمسية، ليتم استغلال الوقود الأحفوري في استخدامات أخرى وتقليل نسبة التلوث، مما يجعل الحاجة إلى توفير مصادر الطاقة المتجددة أولوية رئيسية.
وبدأت الصين بفضل توفّر مصادر التمويل والتكنولوجيا ومهارات القوة العاملة التنافسية في تصميم وبناء محطات الطاقة المتجددة بسهولة في تغيير منهجية إنشاء البنية التحتية للطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وإبرام الاتفاقيات لتحقيق ذلك. ويعزى جزء هام من تطوّر قطاع الطاقة المتجددة في المنطقة إلى عمق الخبرة الصينية في المعرفة التقنية وتوطين تصنيع المشاريع وخلق فرص العمل التي تساهم أيضاً في تعزيز التنمية المستدامة في بلدان الشرق الأوسط. وبينما تقوم الصين بالعديد من الاستثمارات وتوفر المواد والمنتجات والخدمات، تختار الدول المعنية والمطورين الرئيسين نوع المشروع وموقعه مما يضمن توفير أفضل الحلول وأنسبها لكل دولة على حدة.
وستشمل التطويرات محطات جديدة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية قادرة على توفير مياه الشرب النظيفة الكافية لسكان الشرق الأوسط في مواقع كانت تعتبر في السابق غير اقتصادية في مواردها.
وترافق هذه الفرصة مسؤولية كبيرة تتعلق بتوفير مستقبل مستدام لطرق تخزين الطاقة الجديدة. وتمثل قدرة أحدث محطات توليد الطاقة الشمسية على توفير إمدادات مستقرة من الطاقة على مدار الساعة، كما هو حال محطات الطاقة الشمسية المركزة، التي تعد نقطة تحول في الاستخدام العملي للتقنيات المستدامة المتجددة.
وقد أثمرت عروض الصين في الانضمام لهذه الحركة التحولية وتقديم الدعم المالي عن المباشرة بإنشاء هذه التصاميم اليوم. ويمكن أن يمتد الدعم الصيني ليشمل منشآت الطاقة الشمسية الضخمة في المغرب والأردن التي يتم بناؤها اليوم لتقليص الحاجة إلى الاستيراد فضلاً عن تخفيض نسبة انبعاثات الكربون.
وتتضمن المشاريع الأخرى تطوير البنية التحتية لشبكة التوزيع وإضاءة الشوارع بمصابيح (الليد) التي تستهلك نسبة منخفضة من الطاقة. وتشير تقديرات هذه المبادرات التي تدعمها دولة الصين إلى أنها أكبر استثمار في البنية التحتية والمشاريع شهدها العالم على الإطلاق.
واستعانت حتى الآن أكثر من 68 دولة تضم ما يزيد عن 68 في المئة من سكان العالم بدولة الصين لتطوير كافة أنواع البنية التحتية الحديثة واللازمة، لضمان مستقبل مثمر لكلا الطرفين، مما يدل على حاجة تلك الدول لمثل هذه الاستثمارات طويلة الأمد، وإدارتها من قبل الشركاء المحليين بشكل سليم، والذي سيثمر عن مكافآت مستدامة ومتساوية لجميع الدول المشاركة.
ولهذا تعدُّ البنية التحتية للطاقة أحد أكبر القطاعات التي شهدت قيمة واضحة في الإنفاق من حيث الوقت والمال، عبر تطوير وبناء مشاريع البنية التحتية الحديثة والمتقدمة تقنياً باستخدام التقنيات المستدامة ومنخفضة الكربون.
وتوفّر جهود الصين في دعم حركة تحوّل الطاقة في الشرق الأوسط القدرة على استكشاف وتطوير تقنيات جديدة تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون وإنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة اليوم. وأصبح مستقبل المنطقة يبدو آمناً ومستداماً بفضل المشاريع المختلفة القائمة في منطقة الشرق الأوسط أو التي لا تزال قيد الإنشاء.
إستلم أحدث الأخبار من أكوا باور