أهمية مادة الجرافين الثورية في مجال الطاقة
لم يتوقف العلم عن التطور على مدار تاريخنا، حيث تُكتشف أشياء ثورية تغير حياتنا بشكل جذري كل فينة وأخرى.
مُنِحَ العالِمين أندريه غيم وكوستيا نوفوسيلوف في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة جائزة نوبل للفيزياء عام 2010، لما أنجزاه في تطوير طريقة استخراج الجرافين في طبقة الذرة المفردة. وكما حول اكتشاف تصنيع البلاستيك حياتنا في القرن العشرين من خلال إنتاج المنتجات وحل المشاكل العملية عن طريق استخدام المواد القائمة على البلاستيك، يُنظر إلى الجرافين اليوم كمادة ستغير حياتنا بشكل جذري، فهي كجميع الاكتشافات الهامة متوفرة بكثرة وتنوّع، وتكمن أهميتها في ما تقدمه من حلول للتحديات التي كنا نعتقد أنها مستحيلة الحل.
اكتُشفت مادة الجرافين منذ عام 1947 عندما كُتبت أول نظرية عن هذه المواد وصفاتها الإلكترونية التي استمدتها من الجرافيت في شكلها ثلاثي الأبعاد. والجرافين هي الكربون النقي، ولا يتعدى سمكها ذرة واحدة فقط، كما أنها مادة قوية للغاية وقابلة لنقل الشحنات وأصبحت اليوم متاحة تجارياً. كما أنها تفتح أمامنا آفاق جديدة في إيجاد حلول العقبات التكنولوجية الحالية والتي قد تكون مفتاح المستقبل عاجلاً وليس آجلاً.
وقد ثبتت فائدتها بالفعل في العديد من مختبرات البحوث الصناعية في مجالات الطب وعلوم الطيران والزيوت وإمدادات الطاقة والتحلية والتخزين والنقل على سبيل المثال لا الحصر. وتكمن أهميتها في إمكانية تغيير الأسلوب الذي ننتج به الطاقة ونخزنها ونوزعها في المستقبل. ستغير الجرافين الطريقة التي نعيش فيها تماماً.
وقّعت شركة بهارات للمعدات الكهربائية الثقيلة المحدودة (BHEL) في الهند على سبيل المثال، صفقة ضخمة مع شركة ZNShine Solar الصينية لتوفير وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV) التي تشمل الطلاء الجرافيني الثوري على الوحدات الذي يزيد من كفاءة الوحدات، والأهم من ذلك أنه يعمل بمثابة سطح ينظف نفسه ذاتياً.
لن يساعد توفير التكاليف عن طريق الحد من تنظيف وصيانة آلاف الألواح فقط في الحفاظ على كفاءة الألواح، بل سيقلل من تكاليف التنظيف اليدوي لها، ويقلل بالتالي تكاليف تشغيلها أيضاً.
وقد أظهر الجرافين قدرته على توفير فرص عديدة في تخزين الطاقة. قام علماء في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، بتصميم طريقة لتفعيل الخصائص "فائقة التوصيل" التي تعمل بدرجة حرارة الغرفة، وهي أحد أهم الإنجازات التي زادت كفاءة الطاقة.
كما زادت المادة من فاعلية جهاز تحلية المياه، حيث أظهر العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (في عمليات المحاكاة) أن الجرافين بحجم النانو يستطيع ترشيح الملح من الماء بمعدل يتضاعف 2-3 مرات أسرع من تقنية التناضح العكسي التجارية لتحلية المياه، ويمكن أن يساعد ذلك في إنشاء مرافق تحلية مياه أكثر كفاءة وأصغر حجماً.
ليست هذه المرة الأولى التي نسمع فيها عن أغشية الجرافين المستخدمة في تحلية المياه، فقد طورت شركة لوكهيد مارتن تقنية جديدة لتحلية المياه تعتمد على الجرافين وتوفر في استهلاك الطاقة، حيث وضعت فتحات بحجم واحد نانو أول أقل في غشاء الجرافين مما سمح بمرور الماء دون السماح للجزيئات الأخرى بالمرور. ويتطلب دفع مياه البحر من خلال هذه الفلترات نسبة قليلة للغاية من الطاقة لأن مادة الجرافين ناعمة جداً، وهي أكثر نعومة بـ 500 مرة من الفلترات المتاحة اليوم، ويتطلب هذا الفلتر طاقة أقل بـ100 مرة.
ابتكر علماء الفيزياء في جامعة ولاية كنساس في الولايات المتحدة طريقة لإنتاج كميات كبيرة من مرشحات الجرافين بثخانة مختلفة، وهم يعملون حالياً على إيجاد طريقة لزيادة نطاق الإنتاج والتوسع تجارياً. وأصبحت هذه التطورات الهامة محفزاً لدخول الجرافين المجال التجاري، كما وفرت إمكانية البدء بالتفكير والتخطيط لبنية تحتية جديدة لإنشاء نظام طاقة فائق القوة.
سنشهد خلال السنوات العشرين إلى الأربعين المقبلة طريقة توزيع جديدة فائقة الكفاءة للطاقة من خلال كابلات الجرافين فائقة التوصيل التي يمكن تثبيتها ودفنها عند طرح الأنظمة الجديدة. وستأتي هذه الشبكة بتغييرات جذرية في طريقة تفكيرنا باستخدام الطاقة، بفضل فاعليتها وقدرتها على نقل وتخزين الطاقة دون فقدان التيار في الحرارة/أو العوامل المقاومة التي يمكن أن تسبب خسارة الطاقة عند نقاط الاستهلاك. وهذا من شأنه أن يجعل توليد الطاقة أرخص، بينما يسمح بزيادة استخدام هذه الطاقة، بسبب انخفاض تكلفة إنتاج وتوزيع الطاقة بموثوقية وكفاءة.
تمتلك هذه المادة القدرة على تحويل عملياتنا الصناعية بشكل جذري. وتستثمر الشركات التي ترغب بتغيير طريقة توزيع الكهرباء من خلال الطاقة البديلة وتوظيف هذه التطورات التقنية الجديدة، في استكشاف الاستخدامات المختلفة وحدود هذا الابتكار التقني الجديد.
إستلم أحدث الأخبار من أكوا باور